• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أين عدلُ الله؟!

أسرة البلاغ

أين عدلُ الله؟!

كثيراً ما يتساءل مَن له حظٌّ قليل من الإيمان والمعرفة، عن وجود الشرور في هذه الحياة الدُّنيا، وكأنّه يعترض أو يحتج أو يستنكر، غافلاً عن عدل وحكمة الله وحُسن تدبيره، وأنّه أعلم بما يُصلح الحياة والإنسان وما يُفسدهما.

العلماء والمفكِّرون ومنهم (الشهيد مرتضى مطهري) - كما في كتابه القيِّم (العدل الإلهي) - أجابوا عن أسئلة المشكِّكين بعدالة الله في حدوث المصائب والابتلاءات والكوارث، بما مختصره:

1- إنّ الفوائد والأرباح والتعويضات التي تعود على الإنسان المبتلى كثيرة، أكثر مما يناله وما يصيبه من أذى، وهي ليست تعويضات عن خسائر فقط، بل هي جبران روحي، وتربوي، ومعنوي، وبناء لرصانة ومتانة الشخصية الإسلامية خاصّة، والإنسانية عامّة.

2- كلّ الآلام والمصائب التي تحلّ بالإنسان، فيها ألطاف إلهية خفيّة، يدركها مَن يدركها، ويغفل عنها مَن يغفل، فهي بمثابة إصلاحات لسير معوجّ، أو إعادة بعد انحراف عن الطريق، أو تقريب من ساحة الله، وإبعاد عن أضرار وأخطار الذنوب والمعاصي والجرائم.. وبالجملة، فالإبتلاءات مُقوِّيات للمناعة الروحية، ومُنشِّطات للعزائم والملكات النفسية.

3- إنّ تعويضات الله الرحمان الرحيم ليست أُخرويّة فقط، بل هي دنيوية أيضاً، فهو سبحانه كما يُعوِّض الأعمى عن عماه، والمُعوَّق عن عوقه، والمصاب عن مصيبته، يُعوِّض المبتلين بعوضين: دنيويّ وأُخروي.. أما رأيتَ كيف أنّه سبحانه وتعالى عَوَّض أيّوب 7 عن خسائره كلّها، فعافاه في بدنه، وعَوَّضه عن خسائره في المال والولد، وكتبه من الذاكرين، الشاكرين، الصابرين، المحسنين؟

يقول (جلال الدين الرومي): «إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه: فإن (صبر) اجتباه! وإن (شكر) اصطفاه! لأنّ الشُّكرَ ترياق يقلبُ القهرَ لُطفاً، والشُّكر امتصاصٌ لثدي النِّعمة، والثديُ برغم امتلائه بالحليب لا ينساب منه الحليب إذا لم يُمصّ» ! وتبقى تعويضات الآخرة أكمل وأشمل وأتمّ وأبقى وأوسع وأنفع وأرفع.

4- غير أنّ أهمّ ما ينبغي التنبُّه والالتفات إليه هو أنّ الجهاز المناعي الروحي والنفسي للإنسان لا يقلّ أهميّة عن جهازه المناعيّ البدنيّ، بل هو أهمّ.. فكما أنّنا في ظلّ هذه الجائحة نحتاج إلى تقوية المناعة البدنية، نحتاج ربّما بدرجة أكبر إلى تقوية المناعة الداخلية، نظراً لتلازم المناعتين وترابطهما ترابطاً وثيقاً، ولذلك لاحظنا أنّ (منظمة الصحّة العالمية) وكلّ الجهات الصحّية المختصّة توصي وتُشدِّد الوصية على الحفاظ على الجهاز المناعي قوياً، بل يُركِّزون بموازاة الرعاية الصحّية البدنية، على الرعاية الصحّية النفسية، ذلك أنّ الوقاية من أي مرض ووباء، بدني أو نفسي أو سلوكي، تحتاج إلى تفعيل الجهازين المناعيين معاً، فلقد تبيَّن وثبت من خلال الإحصاءات والدراسات الميدانية، أنّ الذين يموتون من القلق والذُّعر والتوتُّر والخوف والكوابيس، ليسوا بأقل من الذين يموتون بالوباء نفسه، بل قد تظهر أعراض جسدية ناجمة عن تغيُّرات وتوترات نفسية تُصيب الجهاز المناعي في الصميم، فيسهل على الوباء افتراس الذين تراخت عزائمهم، وضعفت معنوياتهم، واهتزّت روحيّاتهم.

يُحكى أنّ رحّالةً مرّ بمدينة أصابها وباء، وكان أهلها مئةَ ألف أو يزيدون، فسأل عن عدد الضحايا، فقيل له أربعون ألفاً! وفي طريق عودته عَرَّج على المدينة الموبوءة المنكوبة، فلم يرَ فيها إلّا القليل القليل، فسألهم: لقد عرفتُ عددَ المصابين، ما بالُ الباقين؟ قالوا له: ماتوا من الخوف واليأس والهلع والفزع والجزع!!

ارسال التعليق

Top